دعوى محاسبة ناظر وقف أو وصية

تُعد نظارة الوقف وتنفيذ الوصايا من المهام ذات الطابع الشرعي والمالي المهم واجب الرعاية والتنظيم، كونها تمس مصالح شرعية وأموالاً مخصصة للبر والخير، ويؤتمن فيها الناظر أو الوصي على إدارة وتنفيذ إرادة الواقف أو الموصي.

ونظرًا لما قد يشوب ممارسة تلك المهام من تقصير أو مخالفة أو تعسف، فقد أجاز النظام الشرعي والقانوني لذوي الصفة -كالورثة أو المستحقين أو ذوي المصلحة– إقامة دعوى محاسبة الناظر أو الوصي أمام القضاء المختص وهو محكمة الأحوال الشخصية.

أوجب النظام على الناظر حفظ أموال الوقف وتنميتها والقيام بمصارفها وفقًا للشرط.

ترتكز دعوى المحاسبة على قاعدة شرعية راسخة مفادها: “الوكيل أمين”، ومن الأمانة الالتزام بشروط الواقف أو الموصي، وتحقيق مصلحة الوقف أو الوصية، ودرء الفساد أو الهدر أو الاستغلال.

وقد قال النبي (ص): «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (رواه أبو داود).

ومن هذا المنطلق فإن الناظر أو الوصي مطالب شرعًا بالمحاسبة ورد الحقوق حال التعدي أو التقصير.

نص نظام الأحوال الشخصية السعودي (الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/73 بتاريخ 6/8/1443هـ) في المواد ذات العلاقة، إضافة إلى الأنظمة المكملة كـ نظام الإجراءات الشرعية، على جواز إقامة دعوى المحاسبة ضد الناظر أو الوصي إذا ظهر تقصيره، أو وُجدت مؤشرات لسوء الإدارة، أو وُجهت إليه شبهة تصرف غير مشروع أو تلاعب مالي أو إهمال في الإدارة، أو عدم تقديم تقارير دورية للمستحقين.

. وتعد محكمة الأحوال الشخصية هي الجهة القضائية المختصة نوعًا، مع مراعاة اختصاص المحاكم العامة في بعض المنازعات المالية ذات الطبيعة العقارية.

إذا ثبتت مخالفة الناظر أو الوصي، يمكن للقاضي أن يصدر حكمًا بإلزام الناظر بتقديم حساب تفصيلي مع المستندات، وقد يُلزم بالتعويض عن الضرر أو إعادة الأموال أو الأرباح حال وجود مخالفة أو قد يحكم بعزله وتعيين ناظر جديد أما إذا ثبتت براءته، فترفض الدعوى مع حفظ الحق.

إن دعوى محاسبة ناظر وقف أو وصية تمثل مظهرًا من مظاهر الحوكمة القضائية الرشيدة في إدارة الأموال الوقفية والوصايا، وتحقيقًا لمبادئ العدالة والرقابة والمساءلة. وينبغي للمهتمين بهذه الدعاوى الاستعانة بأهل الاختصاص القانوني الشرعي لضمان بناء الدعوى بناءً سليمًا من حيث الأركان والشروط والمرافعات.

خاتمة

إنّ القضاء في منازعات الأوقاف والوصايا يُعدّ تجسيدًا للعدالة الوقفية والوصائية، وتفعيلًا للرقابة القضائية على التصرفات الشرعية التي تترتب عليها مصالح عامة وخاصة.

ومحكمة الأحوال الشخصية تُمارس دورها في تحديد الإطار النظامي والشرعي، مستندة إلى الأنظمة والأعراف القضائية وملتزمة بالنصوص الشرعية التي تُراعي العدالة والنية الحسنة.

 

شارك المقال